كتبت لبيبة شاهين
83 مليار دولار مطلوب سدادها من الأسواق الناشئة العام المقبل
خبراء: إبطاء السياسة المتشددة للفيدرالي الأمريكي شرط لإنهاء ارتفاع الأخضر
وسط توقعات برفع الفائدة للمرة السادسة علي التوالي يعقد مجلس الاحتياط الفيدرالي الامريكي مطلع نوفمبر المقبل اجتماعه لتحديد سعر الفائدة علي الدولار. ويدعم الرفع الجديد -والمتوقع ان يتراوح بين 50 و75 نقطة مئوية - قوة الدولار التي اكتسبها امام جميع العملات منذ بداية العام محققا زيادة في قيمتة بنحو 12% . ليشهد العام الجاري مفارقة غير مسبوقة حينما تساوت قيمة الدولار مع قيمة الجنيه الاسترليني لاول مرة في التاريخ ومن قبلها تساوي الدولار مع اليورو للمرة الاولي خلال 20 عاما.
ويري تقرير حديث للبنك الدولي ان الامر لم يقتصر علي الجنيه الاسترليني واليورو مشيرا الي انخفاض عدد هائل من العملات امام الدولار حيث تعرضت عملات رئيسية اخري لانتكاسات فانخفض الين الياباني بنسبة 20% مقابل الدولار فيما ليصل الي ادني مستوياته منذ عام 1998 فيما تراجعت الروبية الهندية الي مستوي قياسي جديد بنهاية سبتمبر الماضي مسجلة 80 روبية للدولار. اما باقي العملات فقد تهاوت امام الدولاربنسب متفاوتة مخلفة ازمة كبيرة في مديونية البلدان النامية خاصة الفقيرة منها.
أسباب ارتفاع الدولار
بحسب "مارسيلو استيفاو" المدير العام لقطاع المماراسات العالمية للاقتصاد
الكلي والتجارة والاستثمار بالبنك الدولي فان السبب الرئيسي لارتفاع قيمة الدولار هو قوة الطلب علي الدولار في
ظل ما خلقته الحرب في أوكرانيا من مخاطر جيوسياسية وتقلبات في الأسواق
تسببت في رفع التضخم الي مستويات تاريخية مما دفع مجلس الاحتياط الاتحادي
"البنك المركزي الأمريكي" إلي إجراء زيادات كبيرة لأسعار الفائدة.
وقد ادت هذه العوامل ضمن جملة أشياء أخري إلي التوجه نحو الاستثمارات الآمنة. وفي مقدمتها الدولار حيث
يتخارج المستثمرون من مراكزهم الاستثمارية في أوروبا والأسواق الصاعدة
وأماكن أخري للبحث عن ملاذ آمن في مقدمتها أدوات استثمارية مقومة بالدولار.
ووفقا للبنك الدولي شهد الدولار موجة صعود خلال العام الماضي بالمقارنة مع سلة من العملات مشيرا الي ان غزو أوكرانيا تسبب في ارتفاعي أولي لقيمة الدولار الأمريكي العملات. لترتفع قيمة الدولار الأمريكي بنحو 14% مقابل عملات بلدان الأسواق الصاعدة و كانت هذه الزيادة أكبر من الزيادات في سعر الدولار الناجمة عن الاضطرابات التي صاحبت إعلان خطط التراجع عن التوسع النقدي في الولايات المتحدة عام 2013.
أكبر تجاوز في التقييم
يري جورج سارافيلوس رئيس ابحاث الصرف الاجنبي في "دوتشه بنك " ان الدولار يشهد
اكبر تجاوز في التقييم منذ ثمانينات القرن الماضي. وكانت السياسة النقدية
المتشددة التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي في محاولة لخفض معدلات التضخم
وقيامه بزيادات متتالية لسعر الفائدة عكس ما أقدم عليه البنك المركزي الياباني والبنك المركزي الأوروبي بالحفاظ علي أسعار منخفضة للفائدة قد خلق فجوة كبيرة بين سعر الفائدة في أمريكا من جهة وبين سعرها في منطقة اليورو.الأمر الذي دفع المستثمرين للجوء إلي الدولار من أجل جني مكاسب أكثر.
وادي ذلك الي زيادة قيمة الدولار.
تفاقم مشكلة الديون
وفقا للبنك الدولي فانه علي خلفية صعود الدولار فمن
المتوقع أن تشهد البلدان النامية مزيدا من الإجهاد في مجال الديون
السيادية التي تمر بالفعل بوضع متازم فبلدان كثيرة -لا سيما أشد البلدان
فقرا- عاجزة عن الاقتراض بعملتها بالقدر أو آجال الاستحقاق التي تريدها.
والمقرضون عازفون عن تحمُّل الخطر الذي ينطوي عليه سداد قروضهم بالعملات
المتقلبة لهؤلاء المقترضين. وبدلاً من ذلك. تلجأ هذه البلدان في العادة إلي
الاقتراض بالدولار. متعهدةً بسداد ديونها بالدولار. مهما كان سعر الصرف.
وهكذا مع ارتفاع قيمة الدولار بالنسبة للعملات الأخري. تزداد كثيرا تكلفة دفع أقساط الديون بالعملة المحلية.
ويري ويليام جاكسون كبير اقتصادي الاسواق الناشئة في شركة "كابيتال ايكونوميكس"
ان ارتفاع قيمة الدولار سترافقه مشاكل كبيرة في الدول التي يتعين عليها سداد ديونها الخارجية بالدولار اذ كلما ارتفع الدولار كلما
ارتفعت قيمة خدمة الديون الخارجية ومن ثم صعوبة سدادها مما يتسبب في خلق
بيئة سلبية في الاسواق الناشئة بشكل عام وخاصة للدول التي تعتمد بالاساس
علي الواردات فان ارتفاع قيمة الدولار سوف يؤدي الي ارتفاع معدلات التضخم فضلا عن خفض قيمة الاحتياطيات الاجنبية.
ووفقا لبيانات معهد التمويل الدولي فان الأسواق الناشئة ستكون ملزمة بسداد ما يصل إلي 83 مليار دولار من الديون المقومة بالدولاربنهاية العام المقبل. والكثير من تلك الأسواق ليست مستعدة لمواجهة تراكم الديون. كما يقول أستاذ التمويل بجامعة شيكاغو -راجورام راجان - لوول ستريت جورنال. مشيرا إلي أن العديد من الدول لم تمر بدورة أسعار فائدة بهذا الارتفاع منذ التسعينيات. وهناك الكثير من الديون التي زادت بسبب الاقتراض في ظل الجائحة متوقعا أن يشدد هذا من الضغط علي الأسواق الناشئة.
معضلة كبيرة
بحسب البنك الدولي فانه عندما يرفع مجلس الاحتياطي الاتحادي "البنك المركزي" الأمريكي أسعار الفائدة.
تضطر البنوك المركزية للبلدان الأخري إلي رفع أسعار فائدتها للحفاظ علي
قدرتها التنافسية والدفاع عن عملتها. وتقديم الحوافز للمستثمرين في صورة
"ارتفاع العوائد" حتي يستثمروا في بلدي من بلدان الأسواق الصاعدة بدلاً من
استثمار أموالهم في أصول أمريكية أقل خطورة.
ويري البنك ان هذا الوضع ينطوي علي معضلة كبيرة فمن ناحية. يريد البنك
المركزي لأي بلد حماية الاستثمارالأجنبي في الاقتصاد المحلي. ولكن من ناحية
أخري. زيادات أسعار الفائدة ترفع تكلفة الاقتراض المحلي. ويكون لها تأثير سلبي علي النمو.
سحب الاستثمارات
ووفقا لصحيفة فاينانشال تايمز نقلا عن بيانات حديثة لمعهد التمويل الدولي
فان المستثمرين الأجانب سحبوا أموالاً من الأسواق الصاعدة لمدة خمسة أشهر
متتالية في أطول موجة سحب للاستثمارات علي الاطلاق.. وهذه استثمارات حيوية
تتخارج من الأسواق الصاعدة بحثا عن ملاذات آمنة.
تأثيرات سلبية علي التجارة
ويري البنك الدولي انه في الاونة قصيرة الاجل قد يؤثر صعود الدولار أيضا
علي التجارة. فالدولار الأمريكي يُهيمن علي المعاملات الدولية. وتستخدمه
الشركات العاملة في اقتصادات لا تتعامل بالدولار في التسعير وتسوية
معاملاتها. وعلي سبيل المثال هناك سلع أولية أساسية مثل النفط تباع وتشتري
بالدولار. علاوةً علي ذلك. هناك اقتصادات نامية كثيرة تتأثر بالأسعار ولا
تؤثر فيها. وتعتمد اعتمادا كبيرا علي التجارة العالمية. ومن ثمَّ قد يكون
لصعود الدولار آثار كبيرة عليها. محلياً. وواهمها زيادة معدلات التضخم.
كما انه مع ارتفاع الدولار تزداد تكلفة الواردات (بالعملة المحلية). وهكذا تضطر الشركات إلي تقليص استثماراتها أو زيادة الانفاق علي الواردات الحيوية.
توقعات الفائدة الجديدة
حول توقعات الفائدة الجديدة في مطلع نوفمبر المقبل ينقسم -وول ستريت -حول ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيواصل رفع أسعار الفائدة بقوة في نوفمبر. أو إذا كانت ضغوط التضخم ستهدأ بما يكفي للسماح للبنك المركزي بإبطاء وتيرة الرفع.
ويري الخبراء ان سعرالفائدة قصيرة الأجل لبنك الاحتياطي الفيدرالي بعد اجتماع نوفمبرسوف تتراوح من 3.5% إلي 4%. ولكن التوقعات الخاصة بشهر ديسمبر تظل اكثرضبابية بحيث يتوقع الاقتصاديون أن تكون المعدلات منخفضة مثل 3.75% أو مرتفعة بحيث تصل إلي 4.5% ورجحوا أن تقوم البنوك المركزية الأخري. وخاصة البنك المركزي الأوروبي. بتكثيف وتيرة وحجم زيادات أسعار الفائدة أيضًا. وقد يؤدي ذلك إلي مزيد من التقلبات في السوق.
اما عن العام المقبل فلا يملك المستثمرون أدني فكرة عما سوف تصل إليه المعدلات بحلول منتصف عام 2023 وتتراوح التوقعات لشهر يوليو 2023 من 3.25 إلي 5% عند ذروتها.
ماذا لو
السؤال ماذا لو استمر الدولار الأمريكي
في الارتفاع ؟؟ الاجابة بحسب رئيس أبحاث الأسواق الناشئة في مؤسسة
-أكسفورد إيكونوميكس- قد يكون ذلك "القشة التي قصمت ظهر البعير". محذرا من
ان الأسواق المبتدئة تكاد تصل إلي نقطة وقوع الأزمة. وآخر ما ينقصها هو
دولار أمريكي قوي
ويدرس الاقتصاديون وصانعو السياسات إمكانية تكرار اتفاقية بلازا عام 1985.
حين نسقت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة
واليابان لخفض قيمة الدولار مقابل
الين الياباني والمارك الألماني. لكن احتمالات حدوث هذا التنسيق الدولي
تبدو ضئيلة. خاصة في ظل اختلاف الاقتصاد العالمي المعاصر بصورة ضخمة عما
كانت عليه قبل أربعة عقود
متي تنتهي رحلة الصعود؟
يتساءل كثيرون ليس الخبراء فقط وإنما الملايين حول العالم. متي يتوقف صعود الدولار؟